فصل: تفسير الآية رقم (104):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج البزار وابن جرير والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له فلقي المشركين بعسفان، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، قال بعضهم لبعض: لو حملتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم. فقال قائل منهم: إن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم، فاصبروا حتى تحضر فنحمل عليهم جملة. فأنزل الله: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} إلى آخر الآية. وأعلمه بما ائتمر به المشركون، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر وكانوا قبالته في القبلة، جعل المسلمين خلفه صفين، فكبر فكبروا معه جميعًا، ثم ركع وركعوا معه جميعًا، فلما سجد سجد معه الصف الذين يلونه، ثم قام الذين خلفهم مقبلون على العدو، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سجوده وقام، سجد الصف الثاني ثم أقاموا، وتأخر الصف الذين يلونه وتقدم الآخرون، فكانوا يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ركع ركعوا معه جميعًا، ثم رفع فرفعوا معه، ثم سجد فسجد معه الذين يلونه، وقام الصف الثاني مقبلين على العدو، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سجوده وقعد، قعد الذين يلونه وسجد الصف المؤخر ثو قعدوا، فسجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم عليهم جميعًا، فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعض قالوا: لقد أخبروا بما أردنا».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية الرياحي «أن أبا موسى الأشعري كان بالدار من أصبهان وما بهم يومئذ كبير خوف، ولكن أحب أن يعلمهم دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فجعلهم صفين.
طائفة معها السلاح مقبلة على عدوّها وطائفة وراءها، فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم نكصوا على أدبارهم حتى أقاموا مقام الآخرين، وجاء الآخرون يتخللونهم حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم، فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة فسلم بعضهم على بعض، فتمت للإمام ركعتان في جماعة وللناس ركعة ركعة»
.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بضجنان، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ورآه المشركون يركع ويسجد ائتمروا أن يغيروا عليه، فلما حضرت العصر صف الناس خلفه صفين فكبر وكبروا جميعًا، وركع وركعوا جميعًا، وسجد وسجد الصف الذين يلونه، وقام الصف الثاني الذين بسلاحهم مقبلين على العدوّ بوجوههم، فلما رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه سجد الصف الثاني، فلما رفعوا رؤوسهم ركع وركعوا جميعًا وسجد وسجد الصف الذين يلونه، وقام الصف الثاني بسلاحهم مقبلين على العدو بوجوههم، فلما رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه سجد الصف الثاني قال مجاهد: فكان تكبيرهم وركوعهم وتسليمه عليهم سواء، وتصافوا في السجود، قال مجاهد: فلم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قبل يومه ولا بعده».
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال «صليت صلاة الخوف مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنه صلاها ثلاثًا».
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال «صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر قبل أن تنزل صلاة الخوف، فتلهف المشركون أن لا يكونوا حملوا عليه فقال لهم رجل: فإن لهم صلاة قبل مغيربان الشمس هي أحب إليهم من أنفسهم، فقالوا: لو قد صلوا بعد لحملنا عليهم، فأرصدوا ذلك، فنزلت صلاة الخوف، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بصلاة العصر».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق أبي الزبير عن جابر قال «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلقينا المشركين بنخل فكانوا بيننا وبين القبلة، فلما حضرت صلاة الظهر صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جميع، فلما فرغنا تآمر المشركون فقالوا لو كنا حملنا عليهم وهم يصلون فقال بعضهم: فإن لهم صلاة ينتظرونها تأتي الآن، وهي أحب إليهم من أبناءهم، فإذا صلوا فميلوا عليهم. فجاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر وعلمه كيف يصلي، فلما حضرت العصر قام نبي الله صلى الله عليه وسلم مما يلي العدو، وقمنا خلفه صفين، وكبَّر نبي الله صلى الله عليه وسلم وكَبَّرنا جميعًا، ثم ذكر نحوه».
وأخرج البزار عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف «أمر الناس فأخذوا السلاح عليهم، فقامت طائفة من ورائه مستقبلي العدوّ، وجاءت طائفة فصلوا معه فصلى بهم ركعة، ثم قاموا إلى الطائفة التي لم تصل، وأقبلت الطائفة التي لم تصل معه فقاموا خلفه، فصلى بهم ركعة وسجدتين ثم سلم عليهم، فلما سلم قام الذين قبل العدو فكبروا جميعًا، وركعوا ركعة وسجدتين بعدما سلم».
وأخرج أحمد عن جابر قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات قبل صلاة الخوف وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} إلى قوله: {فليصلوا معك} فإنه كانت تأخذ طائفة منهم السلاح فيقبلون على العدوّ، والطائفة الأخرى يصلون مع الإمام ركعة، ثم يأخذون أسلحتهم فيستقبلون العدوّ، ويرجع أصحابهم فيصلون مع الإمام ركعة، فيكون للإمام ركعتان ولسائر الناس ركعة واحدة، ثم يقضون ركعة أخرى، وهذا تمام من الصلاة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {فإذا سجدوا} يقول: فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك في صلاتك تصلي بصلاتك ففرغت من سجودها {فليكونوا من ورائكم} يقول: فليصبروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم، مصافي العدوّ المكان الذي فيه سائر الطوائف التي لم تصل معك، ولم تدخل معك في صلاتك.
وأخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى} قال: نزلت في عبد الرحمن بن عوف كان جريحًا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في الآية قال: رخص في وضع السلاح عند ذلك وأمرهم أن يأخذوا حذرهم. وفي قوله: {عذابًا مهينًا} قال: يعني بالمهين الهوان. وفي قوله: {فإذا قضيتم الصلاة} قال: صلاة الخوف {فاذكروا الله} قال: باللسان {فإذا اطمأننتم} يقول: إذا استقررتم وأمنتم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم} قال: بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود. أنه بلغه: أن قومًا يذكرون الله قيامًا، فأتاهم فقال: ما هذا؟! قالوا: سمعنا الله يقول: {فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم} فقال: إنما هذه إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائمًا صلى قاعدًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {فإذا اطمأننتم} قال: إذا خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة {فأقيموا الصلاة} قال: أتموها.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {فإذا اطمأننتم} يقول: إذا اطمأننتم في أمصاركم فأتموا الصلاة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد {فإذا اطمأننتم} يقول: فإذا أمنتم {فأقيموا الصلاة} يقول: أتموها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {فإذا اطمأننتم} يقول: فإذا أمنتم {فأقيموا الصلاة} يقول: أتموها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {فإذا اطمأننتم} أقمتم في أمصاركم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {فإذا اطمأننتم} يعني إذا نزل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {فإذا اطمأننتم} قال: بعد الخوف.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} قال: إذا اطمأننتم فصلوا الصلاة، لا تصلها راكبًا ولا ماشيًا ولا قاعدًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} يعني مفروضًا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: الموقوت. الواجب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد {كتابًا موقوتًا} قال: مفروضًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {كتابًا موقوتًا} قال: فرضًا واجبًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن {كتابًا موقوتًا} قال: كتابًا واجبًا.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال: قال ابن مسعود: إن للصلاة وقتًا كوقت الحج.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال: منجمًا، كلما مضى نجم جاء نجم آخر. يقول: كلما مضى وقت جاء وقت آخر.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه وابن خزيمة والحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثله، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، وصلى بي من الغد الظهر حين كان ظل كل شيء مثله، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إلي فقال: يا محمد هذا الوقت وقت النبيين قبلك، الوقت ما بين هذين الوقتين».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للصلاة أولًا وآخرًا، وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وإن آخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت العصر حين يدخل وقت العصر، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الشفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الشفق، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس». اهـ.

.تفسير الآية رقم (104):

قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما عرف من ذلك أن آيات الجهاد في هذه السورة معلمة للحذر خوف الضرر، مرشدة إلى إتقان المكائد للتخلص من الخطر، وكان ذلك مظنة لمتابعة النفس والمبالغة فيه، وهو مظنة للتواني في أمر الجهاد؛ أتبع ذلك قوله تعالى منبهًا على الجد في أمره، وأنه لم يدع في الصلاة ولا غيرها ما يشغل عنه، عاطفًا على نحو: فافعلوا ما أمرتكم به، أو على {فأقيموا الصلاة}: {ولا تهنوا} أي تضعفوا وتتوانوا بالاشتغال بذكر ولا صلا، فقد يسرت ذلك لكم تيسيرًا لا يعوق عن شيء من أمر الجهاد {في ابتغاء القوم} أي طلبهم بالاجتهاد وإن كانوا في غاية القوم والقيام بالأمور؛ ثم علل ذلك بقوله: {إن تكونوا تألمون} أي يحصل لكم ألم ومشقة بالجهاد من القتل وما دونه {فإنهم يألمون كما تألمون} أي لأنهم يحصل لهم من ذلك ما يحصل لكم، فلا يكونن على باطلهم اصبر منكم على حقكم.
ولما بين ما يكون مانعًا لهم من الوهن دونهم، لأنه مشترك بينهم؛ بيّن ما يحملهم على الإقدام لاختصاصه به فقال: {وترجون} أي أنتم {من الله} أي الذي له جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى {ما لا يرجون} أي من النصر والعزم والكرم واللطف، لأنكم تقاتلون فيه وهم يقاتلون في الشيطان، وهذا لكل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء كان ذلك في جهاد الكفار أو لا.
ولما كان العلم مبنى كل خير، وكانت الحكمة التي هي نهاية العلم وغاية القدرة مجمع الصفات العلى قال تعالى؛ {وكان الله} أي الآمر لكم بهذه الأوامر وهو المحيط بكل شيء {عليمًا} أي بالغ العلم فهو لا يأمر إلا بما يكون بالغ الحسن مصلحًا للدين والدنيا {حكيمًا} فهو يتقن لمن يأمره الأحوال، ويسدده في المقال والفعال، فمن علم منه خيرًا أراده ورقاه في درج السعادة، ومن علم منه شرًا كاده فنكس مبدأه ومعاده. اهـ.